فصل: باب: الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


كتاب العقيقة

باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ وَتَحْنِيكِهِ

فيه‏:‏ أَبُو مُوسَى، وُلِدَ لِى غُلامٌ، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ؛ صلى الله عليه وسلم، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَىَّ؛ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِى مُوسَى‏.‏

وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بِصَبِىٍّ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ‏.‏

وفيه‏:‏ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ‏:‏ فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بقُبَاءً، فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهُ فِى حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِى فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِى الإسْلام، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا؛ لأنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلا يُولَدُ لَكُمْ‏.‏

وفيه‏:‏ أَنَس، كَانَ ابْنٌ لأبِى طَلْحَةَ يَشْتَكِى، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِىُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ‏:‏ مَا فَعَلَ ابْنِى‏؟‏ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ‏:‏ هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَتْ‏:‏ وَارُوا الصَّبِىَّ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ، أَتَى النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ‏)‏‏؟‏ قَالَ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا‏)‏، فَوَلَدَتْ غُلامًا، قَالَ لِى أَبُو طَلْحَةَ‏:‏ احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِىَ بِهِ النَّبِىَّ؛ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى بِهِ النَّبِىَّ وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ، فَجَعَلَهَا فِى فِى الصَّبِىِّ وَحَنَّكَهُ بِهَا، وَسَمَّاهُ عَبْدَاللَّهِ‏.‏

قال المهلب‏:‏ تسمية المولود حين يولد، وبعد ذلك بليلة وليلتين وما شاء إذا لم ينو الأب العقيقة عنه يوم سابعه جائز، فإن أراد أن ينسك عنه فالسنة أن يؤخر تسميته إلى يوم النسك وهو السابع، لما روى الحسن، عن سمرة، عن الرسول أنه قال‏:‏ ‏(‏الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى‏)‏ قال‏:‏ ويحنكه بالتمر ‏(‏تقال‏)‏ له بالإيمان؛ لأنها ثمرة الشجرة التى شبهها الله تعالى بالمؤمن وبحلاوتها أيضًا‏.‏

وفيه‏:‏ أنه حسن أن يقصد بالمولود من أهل الفضل والعلماء والأثمة الصالحين ويحنكونهم بالتمر وشبهه، ويتبرك بتسميتهم إياهم، غير أنه ليس ريق أحد فى البركة كريق النبي‏.‏

فمن وصل إلى جوفه من ريقه صلى الله عليه وسلم فقد أسعده الله وبارك فيه؛ ألا ترى بركة عبد الله بن الزبير وما حازه من الفضائل؛ فإنه كان قارئًا للقرآن عفيفًا فى الإسلام، وكذلك كان عبد الله بن أبى طلحة من أهل الفضل والتقدم فى الخير ببركة تحنيك النبى صلى الله عليه وسلم له، وقد تقدم فى كتاب الجنائز الكلام فى حديث أسماء فى باب ‏(‏من لم يظهر حزنه عند المصيبة‏)‏ فأغنى عن إعادته‏.‏

وأما خوفهم أن اليهود سحرتهم فإن ذلك لصحة السحر عندهم وخشية أن يفعل ذلك من لا يتقى الله من الكفار، كما سحر لبيد بن الأعصم النبى صلى الله عليه وسلم فلما ولد عبد الله بن الزبير أمنوا ذلك وفرحوا‏.‏

وقولها‏:‏ ‏(‏وأنا متم‏)‏ قال صاحب الأفعال‏:‏ أتمت كل حامل‏:‏ جاز أن تضع‏.‏

باب‏:‏ إماطة الأذى عن الصبى فى العقيقة

فيه‏:‏ حديث سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأذَى‏)‏‏.‏

وفيه‏:‏ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ‏:‏ أَمَرَنِى ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ‏:‏ مِنْ سَمُرَةَ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ حديث سمرة‏:‏ رواه قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل غلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع، ويسمى‏)‏ وقد ذكرته فى الباب قبل هذا، وإماطة الأذى عن الصبى هو حلق الشعر الذى على رأسه‏.‏

وقال الأصمعى وغيره‏:‏ العقيقة أصلها الشعر الذى يكون على رأس الصبى، وإنما سميت الشاة التى تذبح‏:‏ عقيقة، لأنه يحلق رأس الصبى عند ذبحها‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فسمت العرب الذبيحة التى يذبحونها عند حلق ذلك الشعر باسم ذلك الشعر، كما سموا النجو‏:‏ عذرة، وإنما العذرة فناء الدار؛ لأنهم كانوا يلقون ذلك بأفنيتهم، وكما قالوا الغائط للحدث، والغائط المطمئن من الأرض؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك فيما اطمأن من الأرض، وذلك كثير فى كلام العرب، أن ينقلوا اسم الشيء إلى ما صاحبه إذا كثرت مصاحبته له‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أميطوا‏)‏ يعنى‏:‏ أزيلوا وأنفقوا‏.‏

قال المهلب‏:‏ ومعنى أمره صلى الله عليه وسلم بإماطة الأذى عنه، وإراقة الدم يوم سابعه نسيكة لله تعالى ليبارك فيه، تفاؤلا بطهرة الله له بذلك، وليس ذلك على الحتم لما تقدم من تسميته صلى الله عليه وسلم لابن أبى طلحة وابن الزبير وتحنيكه لهما قبل الأسبوع‏.‏

وروى مالك فى الموطأ أن فاطمة بنت رسول الله وزنت شعر حسن وحسين فتصدقت بزنته فضة‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أميطوا عنه الأذى‏)‏ رد لقول الحسن البصرى، وقتادة أن الصبى يطلى رأسه بدم العقيقة؛ لأن الدم من أكبر الأذى، فغير جائز أن ينجس رأس الصبى بدم‏.‏

وقال الحسن‏:‏ يعق عنه يوم سابعه، ثم يسمى، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق‏.‏

قال مالك‏:‏ فإن جاوز السابع لم يعق عنه، ولا يعق عن كبير وروى عنه ابن وهب أنه إن لم يعق عنه يوم السابع عق عنه فى السابع الثانى، وهو قول عطاء‏.‏

وعن عائشة‏:‏ إن لم يعق عنه فى السابع الثانى عق عنه فى السابع الثالث، وهو قول ابن وهب وإسحاق‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مع الغلام عقيقته‏)‏ حجة لقول مالك أنه لا يعق عن الكبير، وعلى هذا أئمة الفتوى بالأمصار، واختلفوا فى وجوب العقيقة، فأوجبها الحسن البصرى وأهل الظاهر وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مع الغلام عقيقته‏)‏ على الوجوب‏.‏

وقال مالك والشافعى وأحمد وأبو ثور وإسحاق‏:‏ العقيقة سنة يجب العمل بها ولا ينبغى تركها لمن قدر عليها‏.‏

وقال الكوفيون‏:‏ ليست بسنة‏.‏

وقولهم خلاف ما عليه العلماء من الترغيب فيها والحض عليها، ألا ترى قول مالك أنها من الأمر الذى لم يزل عليه أمر الناس عندنا‏.‏

وقال محمد بن الحسن‏:‏ العقيقة تطوع ونسخها الأضحى‏.‏

ولا أصل لقوله، إذ لاسلف له ولا أثر به‏.‏

وروى أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن الرسول عق عن الحسن والحسين بكبشين، كبش عن كل واحد منهما‏)‏‏.‏

وروى حماد بن سلمة، عن عبد الله بن خثيم، عن يوسف بن ماهك، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله أن نعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة‏)‏ وبه قال مكحول‏.‏

فإن قيل‏:‏ فأيهم الصحيح من هذه الآثار‏؟‏ قال الطبرى‏:‏ كلاهما صحيح والعمل بأى ذلك شاء العامل فعل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما صح عنه أنه عق عن الحسن والحسين شاة شاة عن كل واحد منهما، ولم يأتنا خبر أن ذلك خاص لهما، علم أن أمره بالعق عن الغلام بشاتين إنما هو أمر ندب لا أمر إيجاب، وأن لأمته الخيار فى أى ذلك شاءوا‏.‏

وقد رأى قوم أن العقيقة سنة فى الذكور، غير سنة فى الإناث‏.‏

روى ذلك عن أبى وائل والحسن‏.‏

وإلا لما عق- عليه السلام-، عن الحسن والحسين، فالسنة فى كل مولود من الذكران مثل السنة فيهما‏.‏

وأما الإناث فلم يصح عندنا عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالعقيقة عنهن ولا أنه فعل ذلك، إلا أن الذى مضى عليه السلف بالمدينة وانتشر فى بلدان المسلمين أن يعق عن الغلام والجارية‏.‏

قال يحيى بن سعيد‏:‏ أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية‏.‏

قال الطبرى‏:‏ والدليل على أنها غير واجبة، ترك النبى صلى الله عليه وسلم بيان من يجب ذلك عليه فى المولود، هل هو الأب أو المولود أو إمام المسلمين‏؟‏ ولو كان ذلك فرضًا لبين صلى الله عليه وسلم من يلزمه ذلك، فمن عق عن المولود من والديه أو غيرهما كان بذلك محسنًا؛ ألا ترى أن الرسول عق عن الحسن والحسين دون أبيهما‏؟‏ ولو وجب ذلك على والد المولود لما أجزأ عن على عق النبى عن ابنيه، كما أن على لو لزمه هدى من جزاء صيد أو نذر لم يجزه إهداء مهد عنه إلا بأمره‏.‏

وفى عقه صلى الله عليه وسلم عنهما من غير مسألة على إياه ذلك الدليل الواضح على أنها لم تجب على علىّ، وإذا لم تجب عليه فهو أبعد من وجوبها على فاطمة، ولا نعلم أحدًا من الأئمة أوجبها إلا الحسن البصرى، وقد أبطل وجوبها بقوله إن الأضحى يجزىء عنها؛ لأن الأضحى نسك غير العقيقة، ولو أجزأت منها صار الأضحى يجزىء من فدية حلق الرأس للمحرم، ومن هدى واجب عليه‏.‏

وفى إجماع الجميع أن الأضحى لا يجزىء عن ذلك الدليل الواضح أنها لا تجزىء من العقيقة، وهى سنة‏.‏

باب‏:‏ الفرع

فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ‏)‏‏.‏

وَالْفَرَعُ‏:‏ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ‏:‏ فِى رَجَبٍ‏.‏

وترجم له باب ‏(‏العتيرة‏)‏‏.‏

قال أبو عمرو‏:‏ وهى الفرع بنصب الراء أول ولد تلده الناقة، كانوا يذبحونه فى الجاهلية لآلهتهم فنهوا عنها‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ و أما العتيرة فهى الرجبية كان أحدهم إذا طلب أمرًا نذر إن ظفر به أن يذبح من غنمه فى رجب كذا وكذا‏.‏

فنسخ ذلك بعد‏.‏

وكان ابن سيرين من بين سائر العلماء يذبح العتيرة فى رجب، وكان يروى فيها شيئًا لا يصح، وأظنه حديث ابن عون، عن أبى رملة، عن مخنف بن سليم، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏على كل أهل بيت أضحى وعتيرة‏)‏ ولا حجة فيه؛ لضعفه، ولو صح لكان حديث أبى هريرة ناسخًا له‏.‏

والعلماء مجمعون على القول بحديث أبى هريرة‏.‏

كتاب الصيد والذبائح

باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ

وَقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَىْءٍ مِنَ الصَّيْدِ‏}‏ الآية‏.‏

‏[‏المائدة 94‏]‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غير محلى الصيد وأنتم حرام ‏(‏إِلَى‏:‏ ‏(‏وَاخْشَوْنِ‏}‏ ‏[‏المائدة 1‏]‏‏.‏

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الْعُقُودُ‏:‏ الْعُهُودُ، مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ،‏)‏ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ‏(‏‏:‏ الْخِنْزِيرُ،‏)‏ يَجْرِمَنَّكُمْ ‏(‏‏:‏ يَحْمِلَنَّكُمْ،‏)‏ شَنَآنُ ‏(‏‏:‏ عَدَاوَةُ،‏)‏ الْمُنْخَنِقَةُ ‏(‏‏:‏ تُخْنَقُ فَتَمُوتُ،‏)‏ الْمَوْقُوذَةُ ‏(‏‏:‏ تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ، يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ،‏)‏ وَالْمُتَرَدِّيَةُ‏}‏ ‏[‏المائدة 3‏]‏ تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ،‏)‏ وَالنَّطِيحَةُ ‏(‏‏:‏ تُنْطَحُ الشَّاةُ، فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ، فَاذْبَحْ وَكُلْ‏.‏

فيه‏:‏ عَدِىّ، سَأَلْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ‏)‏، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ أَوْ كِلابِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ، وَقَدْ قَتَلَهُ، فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى التسمية على الصيد والذبيحة، فروى عن نافع مولى ابن عمر ومحمد ابن سيرين والشعبى أنها فريضة فمن تركها عامدًا أو ساهيًا لم تؤكل، وهو قول أبى ثور وأهل الظاهر‏.‏

وذهب مالك والثورى و أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه إن ترك التسمية عامدًا لم تؤكل، وإن تركها ساهيًا أكل‏.‏

وقال مالك‏:‏ هو بمنزلة من ذبح ونسى أن يذكر اسم الله، يأكل ويسمي‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ يؤكل الصيد والذبيحة فى الوجهين جميعًا تعمد ذلك أو نسيه‏.‏

روى ذلك عن أبى هريرة وابن عباس، وقال ابن عباس‏:‏ ‏(‏لا يضرك إنما ذبحت بدينك‏)‏‏.‏

واحتج أصحاب الشافعى بأن المجوسى لو سمى الله لم ينتفع بتسميته؛ لأن المراعى دينه، وكذلك المسلم إذا ترك التسمية عامدًا لا يضره؛ لأن المراعى دينه، وبهذا قال سعيد بن المسيب، وعطاء، وابن أبى ليلى‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وكان الأبهرى وابن الجهم يقولان‏:‏ إن قول مالك أن من تعمد ترك التسمية لم تؤكل كراهية وتنزهًا‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ والدليل على أن التسمية ليست واجبة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما أمسكن عليكم ‏(‏فأمر بأكل ما أمسكن علينا، ثم عطفه على الأكل بقوله‏:‏ ‏(‏واذكروا اسم الله عليه ‏(‏والهاء فى ‏(‏عليه‏)‏ ضمير الأكل؛ لأنه أقرب مذكور، فإن قيل‏:‏ الهاء فى ‏(‏عليه‏)‏‏:‏ عائدة على الإرسال‏.‏

قيل‏:‏ لو كانت شرطًا لذكرها قبله، ولم يذكرها بعده‏.‏

ولما قال‏:‏ ‏(‏فكلوا مما أمسكن عليكم ‏(‏وقال بعد تقدم الأكل‏)‏ واذكروا اسم الله عليه ‏(‏لم يحل أن يريد بالتسمية على الإمساك الذى قد حصل‏.‏

فإذا أمسك علينا حينئذ يسمى أو يريد التسمية على الأكل فبطل أن يريد بالتسمية بعد الإمساك علينا من غير أكل؛ لأنه ليس بقول لأحد؛ لأن الناس على قولين‏:‏ إما أن تكون التسمية قبل الإرسال وقبل الإمساك‏.‏

أو يكون المراد بها عند الأكل‏.‏

وإنما أراد تعالى نسخ أمر الجاهلية التى كانت تذكر اسم طواغيتها على صيدها وذبائحها‏.‏

وقد روى مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله فقيل‏:‏ يا رسول الله، إن ناسًا من أهل البادية يأتوننا بلحمان لا ندرى أسموا الله عليها أم لا، فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏سموا الله وكلوا‏)‏‏.‏

واحتج من أوجب التسمية بحديث عدى بن حاتم، وأن النبى صلى الله عليه وسلم علل له بأن قال‏:‏ ‏(‏لأنك سميت على كلبك ولم تسم على غيره‏)‏ فأباح كل الصيد الذى يجد عليه كلبه؛ لأنه ذكر الله عليه، فدليله أنه إذا لم يسم فلا يأكل فأجابهم الآخرون، فقالوا لحق بدليل الخطاب فإنا نقول‏:‏ إن لم يسم فلا يأكل كراهية وتنزيها، لما ذكرناه من الدلائل المتقدمة‏.‏

واختلف العلماء فى ذكاة المتردية والنطيحة والموقوذة والمنخنقة، فذكر ابن حبيب عن ابن الماجشون وابن عبد الحكم أن ما أصاب هذه من نثر الدماغ والحشوة أو قرض المصير، وشق الأوداج وانقطاع النخاع، فلا يؤكل وإن ذكيت، فأما كسر الرأس ولم تنتثر الدماغ، أو شق الجوف ولم تنتثر الحشوة، ولا انشق المصير، أو كسر الصلب، ولم ينقطع النخاع، فهذه تؤكل إن ذكيت إن أدرك الروح فيها، ولم تزهق أنفسها، فإن لم يكن من هذه المقاتل شيء، ويئس لها من الحياة وأشكل أمرها، فذبحت فلا تؤكل، وإن طرفت بعينها واستفاض نفسها عند الذبح، وقد كان أصبغ وابن القاسم يحلان أكلها، ولا يريان دق العنق مقتلا حتى ينقطع النخاع، قالا‏:‏ وهو المخ الأبيض الذى فى داخل العنق والظهر، وليس النخاع عندنا إلا دق العنق، وإن لم ينقطع المخ‏.‏

كذلك قال ابن الماجشون ومطرف عن مالك‏.‏

قال ابن حبيب‏:‏ و أما انكسار الصلب ففيه يحتاج إلى انقطاع المخ الذى فى الفقار، فإن انقطع فهو مقتل، وإن لم ينقطع فليس بمقتل؛ لأنه قد يبرأ على حدب ويعيش‏.‏

وقال أبو يوسف والحسن بن حيى كقول ابن الماجشون وابن عبد الحكم قالا‏:‏ إذا بلغ التردى وشبهه حالا لا يعيش من مثله لم يؤكل وإن ذكيت قبل الموت‏.‏

واحتج ابن حبيب لهذا القول فقال‏:‏ تأول قوله‏:‏ ‏(‏إلا ما ذكيتم ‏(‏يعنى‏:‏ فى الحياة القائمة فمات بتذكيتكم لا فى حال اليأس منها؛ لأن الذكاة لا تقع عليها وإن تحركت؛ لأن تلك الحركة من الموت وقد تسبق إليها؛ لأنه هو الذى أماتهم، فإجراء الشفرة عليها وتلك حالها لا يحلها ولا يذكيها، كما أن المذبوحة التى قد قطعت الشفرة حلقومها وأوداجها إذا سقط عليها جدار قبل زهق نفسها أو أصابها غرق أو تردى لا يضرها ولا يحرمها؛ لأن الذى سبق إليها من التذكية قبل التردى أو غيره هو الذى أماتها و ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏‏.‏

وفيها قول آخر‏:‏ روى الشعبى، عن الحارث، عن على قال‏:‏ ‏(‏إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهى تحرك يدًا أو رجلا فكلها‏)‏ وعن ابن عباس وأبى هريرة مثله‏.‏

وإليه ذهب النخعى والشعبى وطاوس والحسن وقتادة، وأبو حنيفة والثورى وقالا‏:‏ يدرك ذكاته وفيه حياة ما كانت فإنه ذكى إذا ذكى قبل أن يموت، وهو قول الأوزاعى والليث والشافعى وأحمد وإسحاق‏.‏

وذكرنا تأويل قتادة وأصحابه فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما ذكيتم ‏(‏قالوا‏:‏ يعنى‏:‏ من هذه إذ طرفت بعينها أو حركت ذنبها أو أذنها أو ركضت برجلها فذك وكل‏.‏

واحتج بعض الفقهاء لصحة هذا القول بأن عمر بن الخطاب كانت جراحته مثقلة، وصحت عهوده وأوامره، ولو قتله قاتل فى ذلك الوقت كان عليه القود‏.‏

قال الطحاوى‏:‏ ولم يختلفوا فى الأنعام إذا أصابتها الأمراض المثقلة التى قد تعيش معها مدة قصيرة أو طويلة أن ذكاتها الذبح، فكذلك ينبغى فى القياس أن تكون المتردية ونحوها‏.‏

وقال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ بلغنى عن بعض من يتكلم فى الفقه أن قوله‏:‏ ‏(‏إلا ما ذكيتم ‏(‏إنما هو على ما أكله السبع خاصة، وأحسبه توهم ذلك؛ لأن الاستثناء يلى ما أكل السوابع، وإنما وقع الاستثناء على كل ما ذكر فى الآية كما قال قتادة‏:‏ ‏(‏إلا ما ذكيتم ‏(‏ أى‏:‏ ولكن ما ذكيتم‏.‏

كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ‏(‏يعنى‏:‏ ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم، وإنما كان أهل الجاهلية يأكلون كل ما مات وكل ما قتل؛ فأعلم الله المسلمين أن المقتولة لا تحل إلا بالتذكية، وأن المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع حرام كله، وهو لا يسمى‏:‏ موقوذة حتى يموت بالذى فعل بها، وكذلك المتردية والنطيحة وما أكل السبع، ولو متردية تركت فلم تمت من ترديها أو شاة عضها سبع أو أكل من لحمها فلم تمت من ذلك، لما كانت داخلة فى هذا الحكم، ولما سميت أكيلة السبع؛ لأنه لم يقتلها، وإنما تسمى العرب أكيلة السبع التى قتلها السبع فأكل منها وبقى منها، فإن العرب تقول للباقى‏:‏ هذه أكيلة السبع‏.‏

فنهوا عن ذلك الباقى، وأعلموا أن قتل السبع وغيره مما ذكر لا يقوم مقام التذكية، وإن كان ذلك كله قتلا؛ لأن فى التذكية التى أمرهم الله بها خصوصًا فى تحليل الذبيحة‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ أكيلة السبع هو الذى صاده السبع فأكل منه وبقى بعضه، وإنما هو فريسة، والنصب‏:‏ حجارة حول الكعبة كان يذبح عليها أهل الجاهلية‏.‏

باب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِى الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ‏:‏ تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ، وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْىَ الْبُنْدُقَةِ فِى الْقُرَى وَالأمْصَارِ، وَلا يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ‏.‏

فيه‏:‏ عَدِىَّ، سَأَلْتُ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلا تَأْكُلْ‏)‏، فَقُلْتُ‏:‏ أُرْسِلُ كَلْبِى، قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ‏)‏، قُلْتُ‏:‏ فَإِنْ أَكَلَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ‏)‏، قُلْتُ‏:‏ أُرْسِلُ كَلْبِى فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ‏:‏ ‏(‏لا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ‏)‏‏.‏

وترجم له ‏(‏باب‏:‏ ما أصاب المعراض بعرضه‏)‏‏.‏

وقال عدى‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ يا رسول الله، إنا نرمى بالمعراض‏.‏

قال‏:‏ كل ما خزق، وما أصاب بعرضه فلا تأكل‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى صيد المعراض والبندقة، فقال مالك والثورى والكوفيون والشافعى‏:‏ إذا أصاب المعراض بعرضه وقتله لم يؤكل، وإن خزق جلده وبلغ المقاتل بعرضه أكل‏.‏

وذهب مكحول والأوزاعى وفقهاء الشام إلى جواز أكل ما قتل المعراض خزق أم لا‏.‏

وكان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد لا يريان به بأسًا‏.‏

واحتج مالك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ‏(‏قال‏:‏ فكل شيء يناله الإنسان بيده أو رمحه أو بشيء من سلاحه، فأنفذه وبلغ مقاتله فهو صيد، كما قال تعالى‏.‏

ولا حجة لأهل الشام لخلافهم لحديث عدى بن حاتم أن ما أصاب بعرضه فهو وقيذ، والحجة فى السنة لا فيما خالفها‏.‏

وأما البندقة والحجر فأكثر العلماء على كراهة صيدها وهو عندهم وقيذ كقول ابن عباس، إلا أن يدرك ذكاته، وبه قال النخعى، وذهب إليه مالك والثورى وأبو حنيفة والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور، ورخص فى صيد البندقة عمار بن ياسر، وهو قول سعيد بن المسيب وابن أبى ليلى وبه قال الشاميون‏.‏

الأصل فى ذلك حديث عدى بن حاتم أن النبى أباح له أكل ما أصاب بحده ومنعه أكل ما أصاب بعرضه؛ لأنه وقيذ، ولا حجة لمن خالف السنة، وإنما كره الحسن البندقة للقرى والأمصار؛ لإمكان وجودهم للسكاكين وما تقع به الذكاة، وأجازها فى البرارى، وفى مواضع يتعذر وجود ذلك فيه‏.‏

واختلفوا فيما قتلته الجوارح ولم تدمه‏.‏

فقال الشافعى‏:‏ لا يؤكل حتى يخزق؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من الجوارح ‏(‏وقال مرة‏:‏ إنه حلال‏.‏

واختلف ابن القاسم وأشهب فيها على هذين القولين‏.‏

فقال ابن القاسم‏:‏ لا يؤكل حتى يدميه ويجرحه‏.‏

وقال أشهب‏:‏ إن مات من صدمة الكلب أكل‏.‏

والمعراض‏:‏ السهم دون ريش، عن صاحب العين‏.‏

وزاد الأصمعى‏:‏ خزق يخزق خزوقا، وخسق يخسق خسوقا‏.‏

وقال صاحب العين‏:‏ كل شىء حاد رززته فى الأرض فارتز تقول‏:‏ خزقته فانخزق والخسق يثبت، والخزق ما ينفذ‏.‏

باب‏:‏ صيد القوس

وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ‏:‏ إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ، لا تَأْكُلُ الَّذِى بَانَ منه، وَتأكُلْ سَائِرَه‏.‏

قَالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ‏.‏

وقال الأعْمَشُ، عَنْ زَيْدٍ‏:‏ اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِاللَّهِ حِمَارٌ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ‏.‏

فيه‏:‏ أَبُو ثَعْلَبَةَ، قُلْتُ‏:‏ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِى آنِيَتِهِمْ‏؟‏ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِى وَبِكَلْبِى الَّذِى لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ‏؟‏ وَبِكَلْبِى الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِى‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا، فَلا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ‏)‏‏.‏

أجمع العلماء أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه وأدماه فسقط على الأرض ميتًا ولم يدر أمات فى الهواء أو بعد ما صار إلى الأرض فإن سقط فمات، فقال مالك‏:‏ إنه يؤكل إذا أنفذ السهم مقاتله‏.‏

وهو قول أبى حنيفة والأوزاعى والشافعى وأبى ثور قالوا‏:‏ وإن وقع على جبل فتردى فمات أو وقع فى ماء ولم ينفذ السهم مقاتله لم يؤكل، وإذا رمى الصيد بسهم مسموم أدرك ذكاته، فكان مالك يقول‏:‏ لا يعجبنى أن يؤكل‏.‏

وبه قال أحمد وإسحاق إذا علم أن السهم قتله، وقال غيره‏:‏ إذا ذكاه فأكله جائز‏.‏

واختلفوا فى الصيد يضرب فيبين منه عضو‏.‏

فقالت طائفة‏:‏ يطرح العضو الذى بان منه ويؤكل الباقى، هذا قول ابن مسعود وابن عباس وعطاء وقتادة‏.‏

وقال مالك‏:‏ إذا قطع وسطه أو ضرب عنقه أكل كله، وإن قطع فخذه لم يؤكل الفخذ وأكل الباقي‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ إن قطعه قطعتين أكله، وإن كانت إحداهما أقل من الأخرى إذا مات من تلك الضربة، وإن قطع يدًا أو رجلا أو شيئًا يمكن أن يعيش بعده ساعة أو أكثر ثم قتله بعد رميته أكل ما لم يبن، ولا يأكل ما بان وفيه الحياة، وهذا نحو قول مالك‏.‏

وقال الثورى وأبو حنيفة‏:‏ إذا قطعه نصفين أكلا جميعًا، وإن قطع الثلث مما يلى الرأس أكلا جميعًا، وإن قطع الثلث الذى يلى العجز أكل الثلثين مما يلى الرأس، ولا يأكل الثلث الذى يلى العجز‏.‏

قال المهلب‏:‏ وحجة القول الأول أن ما قطع من الصيد قبل أن تنفذ مقاتله فالمقطوع منه ميتة؛ لا شك فى ذلك‏.‏

وكذلك كان أهل الجاهلية يقطعون أسنمة الإبل وهى أحياء ويأكلونها ثم تكبر الأسنمة وتعود على ما كانت، وقول الكوفيين لا أعلم له وجهًا‏.‏

باب‏:‏ الخذف والبندقة

فيه‏:‏ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ لا تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ- أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ- وَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ لا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلا يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ‏)‏، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ- أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ- وَأَنْتَ تَخْذِفُ، لا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا‏.‏

والخذف عند أهل اللغة‏:‏ الرمى بالحصاة والعصا‏.‏

قال المهلب‏:‏ وأباح الله الصيد فى كتابه على صفة اشترطها تعالى من الاصطياد بالأيدى والرماح بقوله‏:‏ ‏(‏تناله أيديكم ورماحكم ‏(‏ فمعنى الأيدى‏:‏ الذبح، ومعنى الرماح‏:‏ كل ما رميت به الصيد بنوع من أنواع فعل اليد من الخزق لجلد الصيد، وإنفاذ مقاتله، وليس البندقة والخذف بالحجر من ذلك المعنى، وإنما هو وقيذ، وقد حرم الله الموقوذة، وبين ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم أن الخذف لا يصاد به صيد؛ لأنه ليس من المجهزات، فدل أن الحجر لا تقع به ذكاة‏.‏

وأثمة الفتوى بالأمصار على أنه لا يجوز أكل ما قتلته البندقة والحجر، واحتجوا بحديث عبد الله بن مغفل، وأجاز ذلك الشاميون، فخالفوا حديث ابن مغفل، ولا حجة لمن خالف السنة، وإنما الحجة العمل بها، وقد ذكرنا ذلك فى باب ‏(‏صيد المعراض‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه من الفقه أن من خالف السنة أنه لا بأس بهجرانه وقطع الكلام عنه، وليس يدخل هجرانه تحت نهى النبى عن أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يدل على ذلك أمر الرسول بذلك فى كعب بن مالك و صاحبيه‏.‏

وفيه‏:‏ وجوب تغيير العالم ما خالف العلم‏.‏

باب‏:‏ من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد أو ماشية

فيه‏:‏ ابْن عُمَر، قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ‏)‏‏.‏

وقال مرة‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏(‏مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَينِ‏)‏‏.‏

كان ابن عمر يجيز الكلب للصيد والماشية خاصة على نص حديثه، ولم يبلغه ما روى غيره فى ذلك‏.‏

وقد روى مالك، عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبى زهير يحدث ‏(‏أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من اقتنى كلبًا لا يغنى عنه زرعًا ولا ضرعًا نقص من عمله كل يوم قيراط‏)‏‏.‏

ويدخل فى معنى الزرع الكرم والثمار وغير ذلك، ولم يختلف العلماء فى تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث ‏(‏أنه كان كرمًا، وروى عبد الله بن مغفل أن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من اتخذ كلبًا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا حرث‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ويدخل فى معنى الزرع والكرم منافع البادية كلها من الطارق وغيره‏.‏

وقد سئل هشام بن عروة عن اتخاذ الكلب للدار، فقال‏:‏ لا بأس به إذا كانت الدار مخوفة‏.‏

فأما ما روى عنه صلى الله عليه وسلم فى حديث سفيان بن أبى زهير‏:‏ ‏(‏قيراط‏)‏ وفى حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏قيراطان‏)‏ فيحتمل والله أعلم أنه صلى الله عليه وسلم غلظ عليهم فى اتخاذ الكلاب، لأنها تروع الناس، فلم ينتهوا؛ فزاد فى التغليظ فجعل مكان القيراط قيراطين‏.‏

وقد روى حماد بن زيد، عن واصل مولى أبى عيينة قال‏:‏ سأل سائل الحسن فقال‏:‏ يا أبا سعيد، أرأيت ما ذكر فى الكلب أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط، بم ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لترويعه المسلم‏.‏

باب إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 4‏]‏ الآية‏.‏

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ، فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏(‏تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ‏(‏فَيضْرَبُ وَيُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ، وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ‏.‏

وقال عَطَاءٌ‏:‏ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ‏.‏- وفيه‏:‏ عَدِىّ، سَأَلْتُ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ‏:‏ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلابِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا أَرْسَلْتَ كِلابَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَإِنْ قَتَلْنَ إِلا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلا تَأْكُلْ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى الكلب المعلم إذا أكل من الصيد هل يجوز أكله أم لا‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ إذا أكل فقد أفسده وأمسك على نفسه‏.‏

وقال بذلك من التابعين‏:‏ الشعبى وعطاء وعكرمة وطاوس والنخعى وقتادة، وحجتهم حديث عدى بن حاتم، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور قالوا كلهم‏:‏ إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم، فلا يؤكل صيده‏.‏

وفيها قول آخر روى عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم قالوا‏:‏ كل وإن أكل الكلب ولو لم يبق إلا نصفه، وهذا قول على بن أبى طالب وابن عمر، وسعد بن أبى وقاص، وسلمان الفارسى، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والحسن، والزهرى، وربيعة، وهو قول مالك، والليث، والأوزاعى، وحجتهم ما رواه أبو داود، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا هشيم، حدثنا داود بن عمرو، عن بسر بن عبيد الله عن أبى إدريس الخولانى، عن أبى ثعلبة الخشنى قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، وإن أكل منه‏)‏‏.‏

وقال لى بعض شيوخى‏:‏ فى الظاهر أن حديث أبى ثعلبة ناسخ لحديث عدي‏.‏

وقال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ إنما ذكر فى الحديث ‏(‏إن أكل فلا تأكل‏)‏ قال إسماعيل‏:‏ ولما ثبت فى حديث عدى وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل قتل الكلب للصيد تذكية‏.‏

لم يضر ما حدث بعد التذكية من أكل الكلب أو غيره، كما أن البهيمة إذا ذبحت لم يضر لحمها ما حدث بعد التذكية، وإنما الكلب بمنزلة السهم إنما أرسلته؛ فذهب بإرسالى إلى الصيد فقتله فقلته، فكأنى أنا قتلته، فكذلك السهم إذا أرسلته من يدى فأصاب الصيد فكأنى أنا ذبحت الصيد؛ لأنى لا أنال الصيد الذى أناله بيدى إلا كذلك‏.‏

والمعنى فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما أمسكن عليكم ‏(‏حبسه الصيد حتى جئت فأدركته مقتولا، فلا يضره ما صنع بلحمه بعد التذكية‏.‏

قال المهلب‏:‏ ويحتمل أن يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإنى أخشى أن يكون قد أمسك على نفسه‏)‏ إذا أكل الكلب قبل إنفاذ مقاتله وفوات نفسه‏.‏

وقد أجمع العلماء أنه إن أكل الكلب وحياته قائمة حتى مات من أجل أكله أنه غير مذكى ولا يحل أكله، وهو فى معنى الوقيذ‏.‏

قال إسماعيل‏:‏ والذين قالوا‏:‏ إذا أكل الكلب فلا يؤكل‏.‏

يقولون إذا أكل البازى والصقر فلا بأس أن يؤكل، قالوا‏:‏ لأن الكلب ينهى فينتهى، والبازى والصقر إنما يعلمان بالأكل‏.‏

قال إسماعيل‏:‏ وهذا يفسد اعتلالهم، ولو كانت علتهم صحيحة لكان البازى والصقر إذا أكلا أمسكا على أنفسهما أيضًا؛ إذ الطير فى معنى الكلاب، لأنها جوارح، والجوارح عند العرب الكواسب على أهلها قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويعلم ما جرحتم بالنهار ‏(‏أى‏:‏ كسبتم، وقوله‏:‏ ‏(‏أم حسب الذين اجترحوا السيئات‏}‏‏.‏

وروى عن ابن عمر ومجاهد قول شاذ أنه لا يكون جارح إلا كلبًا، وكرها صيد الطير، والناس على خلافهم لما دل عليه الكتاب من كونها كلها جوارح‏.‏

باب‏:‏ الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة

فيه‏:‏ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ،، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏إِنْ رَمَيْتَ صيدًا، فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَلَيْسَ بِهِ إِلا أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِى الْمَاءِ، فَلا تَأْكُلْ‏)‏‏.‏

وقال عَدِىّ أيضًا‏:‏ إنا نَرْمِى الصَّيْدَ فَنَفْتَقِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ، ثُمَّ نَجِدُهُ مَيِّتًا، وَفِيهِ سَهْمُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ‏)‏‏.‏

اختلف العلماء فى الصيد يغيب عن صاحبه‏.‏

فقال الأوزاعى‏:‏ إذا وجده من الغد ميتًا ووجد فيه سهمه أو أثرًا من كلبه، فليأكله‏.‏

وهو قول أشهب وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قالوا‏:‏ إذا مات وأنفذت الجوارح أو السهم مقاتله، ولم يشك فى ذلك فليؤكل‏.‏

وذكر ابن القصار أنه روى مثله عن مالك، والمعروف عنه خلافه‏.‏

وقال مالك فى الموطأ والمدونة‏:‏ لا بأس بأكل الصيد وإن غاب عنك مصرعه، إذا وجدت به أثرًا من كلبك، أو كان به سهمك، ما لم يبت، فإذا بات لم يؤكل‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا توارى عنه الصيد والكلب فى طلبه فوجده قد قتله جاز أكله، وإن ترك الكلب الطلب واشتغل بعمل غيره، ثم ذهب فى طلبه فوجده مقتولا‏.‏

والكلب عنده كرهت أكله‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ القياس ألا يأكله إذا غاب عنه لأنه يمكن أن يكون غيره قتله، وقد قال ابن عباس‏:‏ ‏(‏كل ما أصميت ودع ما أنميت‏)‏‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ الإصماء‏:‏ أن يرميه فيموت بين يديه لم يغب عنه، والإنماء‏:‏ أن يغيب عنه فيجده ميتًا‏.‏

واحتج ابن القصار لأهل المقالة الأولى الذين أوقفوا حديث عدى قالوا‏:‏ إن النبى صلى الله عليه وسلم أجاز أكله بعد يومين وثلاثة إذا وجد فيه أثر سهمه، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم بين له أنه إنما يحل أكله بشرط أن يجد فيه أثر سهمه أو سهمه وهو يعلم أنه قتله، فإذا عدم الشرط لم يحل‏.‏

واحتج الكوفيون بقول عدى‏:‏ إنا نرمى الصيد، فنقتفوا أثره اليومين والثلاثة، يأكل إن شاء‏.‏

قالوا‏:‏ إنما أباح أكله لأجل افتقاده أثره، وهو أن يتبعه؛ لأنه إذا لم يتبعه ووجده مقتولا عسى أن يكون قد صار مقدورًا عليه فلم يلحق ذكاته فلا يؤكل‏.‏

فيقال لهم‏:‏ قد جاء حديث عدى فى أول هذا الباب أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا رميت صيدًا فوجدته بعد يوم أو يومين، وليس به إلا أثر سهمك فكل‏)‏ ولم يذكر الاتباع فنستعمل الجميع، فيجوز أن يؤكل وإن لم يتبعه إذا كان فيه سهمه ولا أثر فيه غيره، ويستعمل خبركم إذا شاهده قد أنفذ مقاتله، ثم غاب الصيد عنه ثم وجده على حاله، واستعمال الأخبار أولى من إسقاط بعضها‏.‏

وأما قولهم‏:‏ إذا لم يتبعه لم يأمن أن يكون قد صار مقدورًا عليه‏.‏

فإننا نقول‏:‏ هذا حكم بشيء مظنون، وإنما يجوز أكله إذا لم ير فيه أثرًا غير كون سهمه فيه، ولو روعى هذا الذى ذكره لوجب أن يتوقف عن كل صيد؛ لأنه يجوز أن يكون مات خوفًا وفزعًا، وإن شاهدناه واتبعناه، فإذا وجدنا السهم فيه ولا أثر فيه غيره فالظاهر أنه مات منه‏.‏

وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم ‏(‏أنه مر بالروحاء فإذا هو بوحش عقير فيه سهم قد مات، فقال النبى‏:‏ دعوه حتى يجيء صاحبه فجاء البهزى، فقال‏:‏ يا رسول الله هى رميتي‏.‏

فأمره أن يقسمه بين الرفقة وهم محرمون‏)‏‏.‏

ولو كان الحكم يختلف بين أن يتبعه حتى يجده، أو يشتغل عنه ثم يطلبه ويجده، لاستفسره صلى الله عليه وسلم، فلما لم يسأل عن ذلك وقال‏:‏ ‏(‏دعوه حتى يجيء صاحبه‏)‏ ولم يزد‏:‏ هل كان يتبعه‏؟‏ علم أن الحكم لا يختلف‏.‏

والحجة لقول مالك‏:‏ ما روى عن ابن عباس أنه سئل عن الرجل يرمى الصيد فيجد فيه سهمه من الغد، قال‏:‏ لو أعلم أن سهمك قتله لأمرتك بأكله ولكن لا أدرى قتله هو أو غيره، وفى حديث آخر‏:‏ ‏(‏وما غاب عنك ليلة فلا تأكله‏)‏‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وهذا عندى على الكراهية والله أعلم‏.‏

واقتفوت الأثر‏:‏ اتبعته‏.‏

باب‏:‏ إذا وجد مع الصيد كلبًا آخر

فيه‏:‏ عَدِىّ، قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّى أُرْسِلُ كَلْبِى وَأُسَمِّى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ، فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ‏)‏‏.‏

قُلْتُ‏:‏ إِنِّى أُرْسِلُ كَلْبِى أَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لا أَدْرِى أَيُّهُمَا أَخَذَهُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لا تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ‏)‏‏.‏

جمهور العلماء بالحجاز والعراق متفقون أنه إذا أرسل كلبه على الصيد ووجد معه كلبًا آخر لا يدرى أيهما أخذه؛ فإنه لا يؤكل ذلك الصيد، وأخذوا بحديث عدى بن حاتم‏.‏

وممن قال ذلك‏:‏ عطاء ومالك والكوفيون والشافعى وأحمد وأبو ثور، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم المعنى فى ذلك فقال‏:‏ إنما سميت على كلبك عند إرسالك له ولم تسم على غيره، فينبغى أن يكون الصيد بإرسال ونية لله تعالى عند إرساله‏.‏

وكان الأوزاعى يقول‏:‏ إذا أرسل كلبه المعلم فعرض له كلب آخر فقتلاه فهو حلال، وإن كان غير معلم فقتلاه لم يؤكل‏.‏

وقال لى بعض من لقيت‏:‏ إن كان الكلب المعلم قد أرسله صاحبه فالمسألة إجماع جواز أكله، ولو أن كلبًا معلمًا انطلق على صيد، وأخذه لم يرسله أحد عليه أنه لايجوز أكله لعدم الإرسال والنية، وهذا إجماع‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ وإذا اجتمع أصحاب كلاب وأطلقوا كلابهم على صيد وسمى كل واحد منهم، ثم وجدوا الصيد قتيلا، ولا يدرى من قتله منهم فكان أبو ثور يقول‏:‏ إذا مات الصيد بينهم فإنه يؤكل، وهذا إجماع، فإن اختلفوا فيه وكانت الكلاب متعلقة به كان بينهم، وإن كان مع واحد منهم كان صاحبه أولى، وإن كان قتيلا والكلاب ناحية أقرع بينهم، فمن أصابته القرعة كان له‏.‏

باب‏:‏ ما جاء فى الصيد

فيه‏:‏ عَدِىِّ، قلت‏:‏ يَا رسُول اللَّه، إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلابِ‏.‏

وفيه‏:‏ أَبُو ثَعْلَبَةَ، قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابِ نَأْكُلُ فِى آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِى، وَأَصِيدُ بِكَلْبِى الْمُعَلَّمِ، وَالَّذِى لَيْسَ مُعَلَّمًا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وفيه‏:‏ أَنَس، قَالَ‏:‏ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَوْا عَلَيْهَا حَتَّى تَعِبُوا، فَسَعَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى أَخَذْتُهَا، فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِى طَلْحَةَ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكَيْهَا أَوْ فَخِذَيْهَا، فَقَبِلَهُ‏.‏

وفيه‏:‏ أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما هى طعمة أطعمكموها الله‏)‏ العلماء مجمعون على جواز الصيد للاكتساب وطلب المعاش‏.‏

وقال مالك‏:‏ إن من كان شأنه الصيد للذة أن شهادته غير جائزة‏.‏

وقد روى ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من طلب الصيد غفل‏)‏ إلا أن حال الذى يصيد للذة ينبغى أن يعتبر، وإن كان يضيع له فرائضه وما يلزمه من مراعاة أوقات الصلوات وشبهها فهذا هو الأمر المسقط لشهادته ولو لم يكن ثم صيد، وإن كان لا يضيع شيئًا يلزمه؛ فلا ينبغى أن ترد شهادته‏.‏

وحديث ابن عباس رواه سفيان الثورى، عن أبى موسى التمار، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ ‏(‏من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن لزم السلطان افتتن‏)‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أنفجنا أرنبًا‏)‏ يعنى‏:‏ أجرينا، وفى كتاب الأفعال‏:‏ نفج الأرنب وغيره نفوجًا‏:‏ أسرع‏.‏

وقال صاحب العين‏:‏ وأنفجته وكل ما ارتفع فقد انتفج، ورجل نفاج بما لم يفعل‏.‏

باب‏:‏ الصيد على الجبال

فيه‏:‏ أَبُو قَتَادَةَ، كنت مَعَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا حِلٌّ عَلَى فَرَسى، وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى الْجِبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

التصيد على الجبال، كالصيد على السهل فى الإباحة والجواز‏.‏

وفيه‏:‏ أن الجرى على الخيل فى الجبال والأوعار جائز للحاجة إلى ذلك، وليس من تعذيب البهائم والتحامل عليها‏.‏

باب قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ‏}‏ ‏[‏المائدة 96‏]‏

وَقَالَ عُمَرُ‏:‏ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ،‏)‏ وَطَعَامُهُ ‏(‏مَا رَمَى بِهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ الطَّافِى حَلالٌ‏.‏

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ،‏)‏ طَعَامُهُ ‏(‏‏:‏ مَيْتَتُهُ إِلا مَا قَذِرْتَ مِنْهَا، وَالْجِرِّىُّ لا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ‏.‏

وقال شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كُلُّ شَىْءٍ فِى الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ‏.‏

وقال عَطَاءٌ‏:‏ أَمَّا الطَّيْرُ، فَأَرَى أَنْ تَذْبَحَهُ‏.‏

وقال ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ صَيْدُ الأنْهَارِ وَقِلاتِ السَّيْلِ، أَصَيْدُ بَحْرٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، ثُمَّ تَلا‏:‏ ‏(‏هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 12‏]‏‏.‏

وَرَكِبَ الْحَسَنُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلابِ الْمَاءِ‏.‏

وقال الشَّعْبِىُّ‏:‏ لَوْ أَنَّ أَهْلِى أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأطْعَمْتُهُمْ، وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا‏.‏

وقال ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ نَصْرَانِىٍّ أَوْ يَهُودِىٍّ أَوْ مَجُوسِىٍّ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ‏:‏ فِى الْمُرِى، ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ‏.‏

فيه‏:‏ جَابِر، غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْر، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ‏.‏- وقَالَ جَابِر مرة‏:‏ بَعَثَنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثَلاثَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ، نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّىَ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا، يُقَالُ لَهُ‏:‏ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ، وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِر، ثُمَّ ثَلاثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ‏.‏

اختلف العلماء فى تأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وطعامه متاعا لكم ‏(‏فقال ابن عباس‏:‏ طعامه ما لفظه فألقاه ميتًا‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ أشهد على أبى بكر الصديق لسمعته يقول‏:‏ ‏(‏السمكة الطافية حلال لمن أكلها‏)‏‏.‏

وعن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو و أبى هريرة، مثل قول ابن عباس فى تأويل الآية، وروى عن ابن عباس قول آخر قال‏:‏ ‏(‏طعامه مملوحه‏)‏ وعن سعيد بن المسيب، والنخعى، ومجاهد، وابن جبير مثله، ومن قال‏:‏ طعامه مملوحه كره أكل ما يلقى منه ميتًا، وروى ذلك عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وعن طاوس، وابن سيرين، والكوفيين‏:‏ لا يؤكل الطافيء ولا يؤكل من البحر غير السمك‏.‏

وقال مالك‏:‏ يؤكل كل حيوان فى البحر، وهو حلال حيا كان أو ميتًا‏.‏

وهو قول الأوزاعى، وأجاز الشافعى خنزير الماء، وكرهه مالك‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ من غير تحريم‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ لا أراه حرامًا‏.‏

وحديث جابر حجة على الكوفيين ومن وافقهم؛ لأن أبا عبيدة فى أصحاب النبى أكلوا الحوت الذى لفظه البحر ميتًا، ولا يجوز أن يخفى عليهم وجه الصواب فى ذلك، ويأكلوا الميتة وهم ثلاثمائة رجل‏.‏

وقال بعض المالكيين‏:‏ إنهم لم يأكلوا ذلك الحوت على وجه ما يؤكل عليه الميتة عند الضرورة إليها، وذلك أنهم أقاموا عليه أيامًا يأكلون منه، والمضطر إلى الميتة إنما يأكل منها ثم ينتقل يطلب المباح‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم صيد البحر ‏(‏يقتضى عمومه إباحة كل ما فى البحر من جميع الحيوان حوتًا كان أو غيره مما صاد، خنزيرًا كان أو كلبًا أو ضفدعًا، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)‏ فأطلق على جميع ميتته وأباحها؛ فسقط قول أبى حنيفة‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ وقد قال أبو بكر الصديق‏:‏ ‏(‏كل دابة فى البحر فقد ذكاها الله لكم‏)‏ ولم يخص، ولا مخالف له، وأيضًا فإن البحر لما عفى عن الذكاة فيما يخرج منه عفى عن مراعاة صورها، وبعضها كصور الحيات، وكذلك صورة الدابة التى يقال لها‏:‏ العنبر خارجة عن عادات السمك ولم يحرم أكلها‏.‏

وأيضًا فإن اسم سبع وكلب وخنزير لا يتناول حيوان الماء؛ لأنك تقول خنزير الماء وكلب الماء بالإضافة، والخنزير المحرم مطلق لا يتناول إلا ما كان فى البر خاصة، وكذلك البحرى داخل فى صيد البحر ولم يرو كراهته إلا عن على بإسناد لا يصح‏.‏

وأجازه الكوفيون؛ لأنه داخل فى عموم السمك، وحرموا الضفادع، وبه قال الشافعي‏.‏

وأما قول ابن عباس‏:‏ كل ما صاد من البحر مجوسى أو غيره‏.‏

فهو قول جمهور العلماء؛ لأن طعام البحر ميتة ولا يحتاج فيه إلى ذكاة‏.‏

قال مالك‏:‏ فإذا أكل ميته فلا يضر من صاده‏.‏

وقال الحسن‏:‏ أدركت سبعين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم كلهم يأكل صيد المجوسى؛ الحيتان وما ينخلج فى صدورهم منه شيء‏.‏

وروى ذلك عن عطاء، والنخعى، وهو قول مالك، والكوفيين، والليث والأوزاعى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبى ثور‏.‏

وقال أبو عبد الله بن أبى صفرة‏:‏ معنى قول أبى الدرداء‏:‏ ‏(‏ذبح الخمر النينأن والشمس‏)‏ أن الخمر تطرح فى الحيتان حتى تصير مريا فكأن الحيتان والشمس ذكاة الخمر وذبحها الذى يحللها‏.‏

وهذا حجة فى جواز تخليل الخمر، وسيأتى ذلك فى كتاب البيوع فى باب‏:‏ تحريم التجارة فى الخمر إن شاء الله‏.‏

والقلات‏:‏ جمع قلت والقلت نفرة بحجر يحفرها السيل وكل نقرة فى الجبل أو غيره‏:‏ قلت؛ فإنما أراد ما سابق السيل من الماء وبقى فى الغدر الصفار فكان فيها حيتان‏.‏

والجرى ضرب من سمك‏.‏

والخبط‏:‏ اسم ما خبط من القشر والورق‏.‏

باب‏:‏ الجراد

فيه‏:‏ ابْن أَبِى أَوْفَى، غَزَوْنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ- أَوْ سِتًّا- كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ‏.‏

اختلف الناس فى الجراد فقال الكوفيون‏:‏ يؤكل الجراد كيفما مات وهو قول الشافعى، وقال مالك‏:‏ إن وجده ميتًا لم يأكله حتى يقطع رءوسه أو يطرح فى النار وهو حى من غير أن تقطف رءوسه فهو حلال‏.‏

ومن أجاز أكله ميتًا جعله من صيد البحر كطافى الحيتان يجوز أكلها‏.‏

وذكر الطبرى عن ابن عباس أنه قال‏:‏ الجراد ذكى حيه وميته‏.‏

وذكر عبد الرزاق أن ابن عباس قال‏:‏ كان عمر يأكل الجراد، ويقول‏:‏ لا بأس به؛ لأنه لا يذبح‏.‏

وعن على بن أبى طالب أنه قال‏:‏ الجراد مثل صيد البحر وهو قول عطاء‏.‏

وأما مالك فهو عنده من صيد البر، ولا يجوز أكله إلا بذكاة، وهو قول ابن شهاب وربيعة‏.‏

وكان علقمة يكره الجراد ولا يأكله‏.‏

قال الأبهرى‏:‏ والدليل على أنه من صيد البر أن المحرم يجوز له صيد البحر وهو ممنوع من صيد الجراد، وذلك لئلا يقتله، فعلم أنه من صيد البر، وإذا كان ذلك كذلك فيحتاج إلى ذكاة إلا أن ذكاته حسب ما تيسر كما يكون فى الصيد، ذكاته حسب ما يقدر عليه من الرمى، وإرسال الكلب؛ لأنه لا يتمكن من ذبحه من الحلق واللبة، كذلك الجراد تذكيته كيفما تيسر؛ لأنه لا حلق له ولا لبة، ولما كان يعيش فى البر وجب أن يفارق السمك فلا يستباح إلا بما يقوم مقام الذكاة من أخذه كيف تيسر؛ لأن صيد البر لم يسامح فيه بغير ذكاة كما سومح فى صيد البحر‏.‏

باب‏:‏ آنية المجوسى والميتة

فيه‏:‏ أَبُو ثَعْلَبَةَ، قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَنَأْكُلُ فِى آنِيَتِهِمْ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لا تَأْكُلُوا فِى آنِيَتِهِمْ، إِلا أَنْ لا تَجِدُوا بُدًّا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُدًّا، فَاغْسِلُوا وَكُلُوا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

وفيه‏:‏ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، لَمَّا أَمْسَوْا يَوْمَ فَتَحُوا خَيْبَرَ، وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عَلامَ أَوْقَدْتُمْ هَذِهِ النِّيرَانَ‏)‏‏؟‏ قَالُوا‏:‏ لُحُومِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّةِ، قَالَ‏:‏ ‏(‏أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا، وَاكْسِرُوا قُدُورَهَا‏)‏، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ‏:‏ نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أَوْ ذَاكَ‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ معنى ذكر آنية المجوسى فى هذه الترجمة، وذكر سؤال أبى ثعلبة للنبى صلى الله عليه وسلم عن آنية أهل الكتاب، من أجل أن أهل الكتاب لا يتحرزون من الميتة والخنزير والخمر، و ‏[‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏]‏ أعناق الحيوان وذلك ميتة كطعام المجوس، وقد جاء هذا المعنى مبينًا فى حديث أبى ثعلبة الخشنى قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، إن أرضنا أرض أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير، ويشربون الخمر، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن لم تجدوا غيرها فارحضوها واطبخوا فيها واشربوا‏)‏ فأباح صلى الله عليه وسلم غسل ما جعل فيه الخنزير والخمر، واستعمال الأواني‏.‏

والعلماء مجمعون على أن الماء مطهر لكل نجاسة من جميع أوانى الشراب وغيرها إلا ما روى أشهب عن مالك فى زقاق الخمر أنها لا تطهر بالغسل؛ لأنها تشرب الخمر وذلك مخالف لجميع الظروف‏.‏

وأما حديث تحريم الحمر فى هذا الباب فهو بين؛ لأن الحمر قد ثبت تحريمها فهى كالميتة، وأباح النبى صلى الله عليه وسلم القدور بعد غسلها، وكذلك آنية المجوس يجوز استعمالها بعد غسلها؛ لأن ذبائحهم ميتة، وذكر ابن حبيب، عن ابن عباس أنه قيل له‏:‏ ‏(‏إنا نغزو أرض الشرك، ونزل بالمجوس وقد طبخوا فى قدورهم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، فقال‏:‏ ‏(‏ما كان من حديد أو نحاس فاغسلوه بالماء ثم اطبخوا فيه، وما كان من فخار فاغلوا فيها الماء، ثم اغسلوها واطبخوا فيها، فإن الله جعل الماء طهورًا‏)‏ وسيأتى الكلام فى ظروف الخمر هل تضمن إذا كسرت فى كتاب المظالم، إن شاء الله‏.‏